الصداقة، وهي من أهم العلاقات التي تؤثر على حياة الطفل. فالصداقة ليست مجرد اللعب والتسلية، بل هي بناء لشخصية الطفل وثقته بنفسه، وتطوير كامل المهارات الاجتماعية والعاطفية له. فالأمر لا يقتصر على الطفل بل علينا أيضًا كآباء في دعمهم علي تكوين علاقات صحية كنوع من أنواع الإستثمار في مستقبلهم سواء العاطفي والاجتماعي. في هذا المقال دليلك الكامل لأهمية تكوين الصداقات للأطفال، وكيفية تكوينها بشكل سليم، مع فهم لأهم الأسباب التي قد تعيق طفلك عن امتلاكه لأصدقاء من حوله.
أهمية تكوين الصداقات بالنسبة للأطفال
تكوين الصداقات للاطفال بشكل خاص، بل وتكوينها في مختلف أعمارنا بشكل عام ليست فقط مهارة إجتماعية أو حتى مجرد متعة ننعم بها في حياتنا؛ وفقًا للأبحاث التي تم إجراؤها حديثًا فإن تكوين الصداقات للاطفال ذات أهمية قصوى كونها تلعب دورًا مهمًا كجزء حيوي من عمليات نمو الطفل بل وجزء أساسي من عمليات تطورهم الاجتماعي والعاطفي.
تعزيز الصداقات لدى الأطفال هو عامل قوي لتقوية شعور الأطفال بالإنتماء، بل وضبط النفس ضد التوتر أو القلق من التعامل مع الأشخاص والعالم الخارجي.
فالداعم الأول والأهم للتعامل مع الصعوبات التي قد يواجهونها في مراحلهم العمرية المختلفة هي تكوين الصداقات. فالطفل الذي يتمكن من تكوين صداقات صحية ينمو ليصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر قدرة على التعامل مع التحديات الحياتية.
قد تتساءل الآن ” لماذا تكوين الصداقات للاطفال بهذه الأهمية؟ “
- لتكوين الصداقات والتفاعل مع الغير تأثير إيجابي رائع على تنمية المهارات الإجتماعية لطفلك. فتفاعله مع أصدقائه أو حتى أقاربه تنمي مهارات التواصل كالإستماع، التعبير عن المشاعر، والتفاوض لحل المشكلات. كونها ليست فقط مهارات مهمة للأطفال بل تمتد إلى مراحل الحياة كافة.
- شعور الطفل بأنه هناك من يتقبله ويشاركه اهتماماته ينمي لديه الشعور بالراحة في التعبير عن ذاته، مما يعزز ثقته بنفسه ويقلل من مخاوفه الاجتماعية.
- تُعلم الصداقة القيم الأخلاقية الحسنة التي نسعى جميعًا لزرعها في أطفالنا منذ الصغر. تمنح الصداقة الأطفال سياقات قيمة مثل التعاون، الإيثار، والتسامح مع الغير إذ يختبرون مواقف تتطلب منهم تفهم مشاعر الآخرين واتخاذ قرارات أخلاقية سليمة.
- يمتلك الأطفال بشكل عام قدرة رائعة على دعم بعضهم البعض، لذلك حصولهم علي صديق في مثل هذه الأوقات يمكنهم الإعتماد عليه يجعله يشعر بالأمان النفسي المطلوب في هذه اللحظة بل وبشكل عام في الحياة.
- من المؤكد مواجهة أطفالنا للعديد من التحديات والمواقف التي تتطلب منهم التفكير بطرق جديدة رغم صغر سنهم، لذلك فإن تكوينهم لصداقات تعزز من قدرتهم على حل المشكلات بشكل مستقل والتوصل إلى حل لنزاع أو ابتكار لعبة جديدة.
الآن وبعد فهم مدى أهمية تكوين الصداقات للاطفال نتطرق إلى الجزء الأهم في مقالنا، وكيفية تكوين اطفالنا لهذا الرابط الإجتماعي المهم.
كيف يمكن تكوين الصداقات للاطفال؟
من أهم المواضيع المتداولة في البيوت والمدارس وغيرها من الأماكن التي ينشأ فيها الطفل هي كيفية مساعدة الأطفال في تكوين صداقات.
فالآن وقبل بدء الدراسة وانخراط طفلك مع العالم الخارجي خاصةً في المدرسة أو النادي وغيرها من الأماكن الإجتماعية ذات البيئة الأكبر والأنسب لتكوين الصداقات والتي يتعامل في طفلك بإستمرار مع الأطفال الآخرين طوال اليوم من الطبيعي محاولتنا لدعمهم وتوجيههم لعدم تعرضهم لصعوبات في تكوين علاقات مع الآخرين.
نقدم لك الآن مجموعة من أهم وأفضل النصائح التي تسهل تكوين الصداقات للاطفال:
- شجع الطفل بشكل مستمر على التفاعل مع الآخرين والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية المختلفة، وذلك من خلال تعليمه كيفية التحدث والاستماع بشكل جيد، فغالبًا ما يكون الأطفال الخجولين بحاجة إلى دعم في بدء المحادثات أو الاستجابة للآخرين خاصةً من خلال تعزيز لغة الجسد الإيجابية مثل التقاء العيون والابتسامه.
- علم الطفل أن اختيار الصديق الصحيح يكون بناءًا على مدى تمتعه بشخصية سوية، مهذبة، وغير استغلالية أو انتهازية.
- الطفل الواثق من نفسه يكون أكثر قدرة على المبادرة في التعرف على الآخرين وتكوين علاقات اجتماعية سليمة مع مختلف الأعمار، لذلك شجعه على التعبير عن رأيه دون خوف، اكتشاف مواهبه وتنميتها، تقديم التشجيع والثناء خاصةً عند نجاحه في التواصل والتفاعل مع الآخرين بشكل سليم.
- حاول قدر الإمكان الإبتعاد عن أسلوب المقارنة بين الطفل وغيره من أقرانه أو أصدقائه كنوع من أنواع التحفيز، كونها قد تنمي لديه الشعور بالحسد أو الغيرة، بالإضافة لفقد الطفل ثقته بنفسه وإعاقة قدرته على تكوين صداقات ناجحة.
- أشرك الطفل أنشطة جماعية مثل الرياضة، الفنون، أو الرحلات المدرسية، بالإضافة لتنظيم أوقات مخصصة للقاءه مع أطفال آخرين من نفس عمره، واللعب الجماعي سواء في الحديقة أو النادي، مما يساعده على التعرف على أصدقاء جدد.
- تعليم الطفل كيفية التعامل مع الخلافات ومختلف التحديات التي قد يواجهها وحيدًا في المدرسة أو أي مكان كالتنمر وغيره، وذلك يعتمد علي العلم التام بظاهرة التنمر وإرشاد الطفل بشكل صحيح على كيفية التعامل مع الطفل المتنمر
- كُن قدوة حسنة لطفلك كونهم يتطلعون لمن هم أكبر منهم والأشخاص الذين يثقون بهم بشكل كبير، فالأطفال يتعلمون من تصرفات والديهم أكثر مما يتعلمون من الكلمات. دائمًا إظهر سلوك ودي عند تعاملك مع الآخرين أمام الطفل، عزز من نشر وتطبيق قيم الاحترام والتعاون في المنزل.
عملية تكوين الصداقات للاطفال قد تحتاج إلى وقت أطول من المعتاد، لذا لا تضغط عليه و ادعمه وكُن متفهمًا لطباعه، فبعض الأطفال يفضلون تكوين عدد قليل من الأصدقاء المقربين بدلًا من مجموعة كبيرة.
ننتقل الآن لأهم الأسباب التي تجعلنا في حيرة وتساؤل مستمر عن سبب عدم قدرة تكوين الصداقات للاطفال.
الأسباب التي قد تجعل طفلك يكافح من أجل تكوين صداقات
قد تجد طفلك يعاني من معاناة كبيرة ناتجة عن الرفض أو العزلة عن من حوله من الأصدقاء أو الأقارب. وهنا يقع على عاتقنا تدريب أطفالنا وإبراز أهمية استقلالهم العاطفي عن غيرهم؛ ونعني بذلك مساعدتهم على توازن عاطفتهم ومشاعرهم وعدم الارتباط أو اتباع علاقات ضارة بنا.
فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي بحاجة لمن حوله بشكل دائم، ومن المهم تحديد وكشف الأسباب التي تقع كعائق أمام طفلك لتكوين صداقات مع من حوله، ومحاولة تجاوز هذا الوضع معه، فشعور الطفل بالانتماء لغيره والاندماج مع مجموعةٍ ما لها دور مهم في نموه النفسي السليم.
هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نتساءل عن سبب عدم امتلاك الطفل أصدقاء:
التجارب السلبية السابقة
تعرض الطفل لظواهر سلبية في المدرسة على سبيل المثال، تجعله كارهًا للمدرسة بشكل عام، وتردده في في محاولة تكوين صداقات جديدة بشكل خاص خوفًا من تكرار التجربة التي مر بها من قبل.
لذلك فإن العمل على تفهم أسباب الطفل في الرفض للتعامل مع الآخرين والعزلة مثل محاولتك لمعرفة ودراسة كيفية التعامل مع الطفل الذي لا يحب المدرسة بجانب إدراك شكل المعاملة التي يتلقاها من المقربين منه تؤثر بشكل كبير في العمل على التفاعلات التي ستصدر منه في المستقبل وشكل العلاقات التي سيتم بناؤها فيما بعد.
الخجل والقلق الاجتماعي
أحد الأسباب الرئيسية لصعوبة تكوين الصداقات للاطفال هي الخجل وعدم قدرتهم على المبادرة والتعارف مع الآخرين أو الانخراط في المحادثات، وذلك بسبب خوفهم الدائم من التعرض للرفض أو الحكم عليهم، مما يجعلهم يفضلون العزلة.
بجانب ذلك قد يميل الطفل للعزلة والتزام الصمت في حالة أن كان لا يشعر بالراحة في المجموعة المنخرط فيها، مما يصعب عليه المبادرة للتواصل والمشاركة الإجتماعية.
قلة المهارات الإجتماعية للطفل
يكتسب الطفل مهاراته في التواصل والتفاعل مع الأخرين في سنينه الأولى من الحياة، وبالتالي افتقاره لهذه المهارات تسهم في تعرضه للمضايقات من الأطفال حوله كالرفض أو التنمر وغيرها، ومن أفضل العوامل المؤثرة علي هذه النوع من الاسباب لعدم تكوين الصداقات هي البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الطفل.
ومن أفضل سُبل العلاج لهذا النوع هو العمل على إتقان الطفل احترام دور التحدث وضبط نبرة الصوت والاستماع إلى الآخرين أو التعبير عن آرائهم.
اختلاف الاهتمامات
قد يكون للطفل اهتمامات لا تتطابق مع من حوله من الأطفال أو حتى أقرانه، مما يصعب من تكوينه لصداقات مع أطفال يشاركونه نفس الشغف.
فعلي سبيل المثال، كان يحب القراءة بينما معظم زملائه يفضلون الألعاب الرياضية، فقد يشعر أنه مختلف عنهم، ويصعب عليه مشاركتهم نفس الاهتمامات وبالتالي يلجأ للعزلة بشكل أكبر.
فرض السيطرة أو العدوانية
من الممكن أن تجد طفلك يميل إلي فرض سيطرته أو رأيه على من حوله، وطريقته في حل الخلافات عنيفة وغير ودية، مما يجعل عملية حفاظه على علاقات الصداقة صعبة.
وينتج ذلك عن عدم تفهم الأطفال لمصطلح التعاون واعتقادهم أن التحكم في اللعب أو اتخاذ القرارات وحدهم أمر طبيعي، مما قد يبعد الآخرين عنهم.
قلة الفرص الاجتماعية
قد يجد الطفل نفسه وحيدًا خاصةً في حالة عدم امتلاكهم لأقارب في نفس أعمارهم أو عدم امتلاكه لأشقاء قريبون منه في العمر، مما يصعب عليه تطوير المهارات الاجتماعية اللازمة لبناء الصداقات مع غيره؛ بالإضافة لعدم مشاركته في أية أنشطة جماعية مثل الرياضة أو الرحلات.
أهمية إرشاد الطفل لتكوين صداقات مفيدة وناجحة
الإرشاد في عملية تكوين الصداقات للاطفال و اختيار طفلك لصداقات جيدة، هو استثمار في مستقبله العاطفي والاجتماعي وستجد ثمرة ذلك الجهد عندما تجده محاطًا بعلاقات إيجابية تجعله أكثر ثقة سعادة واستقرار.
و دورنا كآباء كبير في عملية توجيه الطفل لاختيار الأصدقاء الذين يؤثرون عليه بشكل إيجابي ويساعدونه على النمو بطريقة صحية.
فما أهمية إرشاد الطفل لاختيار الصداقات الجيدة؟
- تعزيز ثقة الطفل بنفسه وتقديره لذاته، فعندما يجد الطفل نفسه محاط بأشخاص يدعمونه ويقدرونه، يصبح أكثر ثقة في نفسه وأقل عرضة للمقارنة السلبية أو الشعور بالنقص، بالإضافة لشعوره بالأمان والانتماء.
- يتأثر سلوك وقيم الأطفال بمن هم حوله، لذلك فوجود أطفال وأصدقاء في حياته يتحلون بالقيم الإيجابية مثل الاحترام، الصدق، والتعاون، يساعد الطفل على تبني هذه الصفات وتطبيقها في حياته بشكل يومي.
- تكوين الصداقات للاطفال تساعد بشكل رئيسي على تطوير مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي مثل تعلم كيفية التفاوض، حل النزاعات، والتعبير عن مشاعره بوضوح دون خوف، كونها من أهم الصفات التي نسعى جميعًا أن يتحلى بها أطفالنا لنجاحه في الحياة المستقبلية.
- تكوين الطفل لصداقات عدة تنمي لديه وتعزز من فهم قيمة التعاون والمشاركة مع الآخرين، بجانب تعلم كيفية العمل كفريق، وتقديم المساعدة عند الحاجة، مما يعزز روح العطاء والتعاون لديه.
بالمختصر، الصداقات في الطفولة ليست مجرد ترف، بل هي عنصر أساسي في بناء شخصية متوازنة ومستقرة. ودعمنا للطفل في تطوير علاقات صحية هو استثمار في مستقبلهم ليكونوا أفرادًا ناجحين في حياتهم الدراسية والعملية والإجتماعية.