يولد الطفل كصفحة بيضاء، يمتص كل ما يدور حوله من مشاعر وتجارب، فتتشكل شخصيته وتتأثر نفسيته وفقًا لما يعيشه. ولكن ماذا يحدث عندما يواجه الطفل ضغوطًا نفسية تؤثر على سعادته وسلوكه؟ في هذا المقال، نسلط الضوء على أبرز مشاكل الاطفال النفسية التي قد يعاني منها أطفالنا، أسبابها، أهم الأمراض النفسية وأعراضها، وكيف يمكن للآباء تشخيص هذه المشكلات، والتعامل معها بحكمة ووعي عبر اختيار طرق العلاج السليمة والفعالة والمناسبة لكل طفل وفقًا لحالته وشخصيته.
مشاكل الاطفال النفسية
حجر الأساس لنمو أطفالنا بشكل طبيعي وسليم سواء على الصعيد العاطفي أو الاجتماعي هي الصحة النفسية للأطفال. حيث تتشكل شخصية أطفالنا وقدراتهم على التعامل مع الحياة ومن حولهم من أشخاص عبر الدور المحوري الذي تلعبه الصحة النفسية في حياتهم وهم صغارًا.
ولكن للأسف العديد من مشاكل الاطفال النفسية التي يواجهونها قد تؤثر على سعادتهم، أدائهم الدراسي، بل وعلاقاتهم بالآخرين أيضًا.
فمن أهم ما يواجه الأطفال من مشاكل نفسية هم التوتر والقلق، اضطرابات السلوك والتصرفات العدوانية التي قد تصدر عنه، اضطرابات فرط الحركة والأكل، وغيرها الكثير مما سنتناوله بشكل مفصل في مقالتنا.
أهم أمراض الأطفال النفسية
يولد الأطفال صفحة بيضاء، ففي حين أن بعضهم يولد ويعيش في بيئات مستقرة تمنحهم الأمان والثقة، بينما يواجه آخرون ظروفًا قد تؤثر على صحتهم النفسية وتتسبب في ضغوطات نفسية لهم، يترك أثرًا عميقًا في نفسه و شخصيته المستقبلية.
وبالتالي، أصبح من الضروري علينا فهم وإدراك مختلف الأمراض التي تتسبب في مشاكل الاطفال النفسية لنتمكن من التعامل معها مبكرًا وحمايتهم من آثارها الممتدة.
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)
وهو من أكثر الاضطرابات التي يتعرض لها الأطفال، فيبدأ الطفل يعاني من فرط النشاط، قلة التركيز، وصعوبة في الالتزام بالقواعد أو الجلوس لفترات طويلة.
يؤثر هذا الاضطراب على المستوى الدراسي والعلاقات الاجتماعية للطفل، لكن لا داعي للقلق، فمن خلال التشخيص المبكر له والتدخل العلاجي المناسب يمكن أن يساعد الطفل على التكيف.
اضطراب القلق عند الأطفال
يظهر على الأطفال الذين يعانون من هذا الإضطراب القلق بشكل مفرط وغير طبيعي، فقد يخاف الطفل من أشياء غير مبررة مثل الظلام أو الذهاب إلى المدرسة أو حتى التفاعل مع الآخرين.
في بعض الأحيان، يبدأ الطفل للشعور بمشاكل جسدية مثل آلام المعدة أو الصداع، كما يؤثر على جودة نوم الطفل وتحصيله الأكاديمي.
اضطراب طيف التوحد (ASD)
يتجلى هذا الاضطراب في صعوبة الطفل في التواصل الاجتماعي، وتكرار بعض السلوكيات، واهتمامه الشديد بأشياء محددة. فيبدأ الطفل في إظهار استجابة غير عادية للمثيرات الحسية مثل الأصوات المرتفعة أو اللمس.
من خلال التدخل العلاجي المبكر و الفعّال يتم تحسين قدرات الطفل الاجتماعية وقدرته على التواصل مع الآخرين.
اضطراب التوتر ما بعد الصدمة (PTSD)
يتعرض الطفل لهذا الإضطراب في حالة مروره بتجربة مؤلمة مثل الحوادث أو فقدان شخص عزيز، فيعاني من ذكريات متكررة للحدث، و كوابيس، وخوف دائم.
يحتاج هذا النوع من الاضطراب إلى دعم نفسي خاص لمساعدتهم على تجاوز تأثيرات الصدمة واستعادة الشعور بالأمان.
الاكتئاب الطفولي
يسود بيننا جميعًا اعتقاد أن الإكتئاب هو مرض يتعرض له الكبار فقط، واحتمالية إصابة أطفال به لا تخطر على أذهاننا ابدًا. على عكس الاعتقاد، الأطفال أيضًا معرضون للإصابة به.
يتمثل الاكتئاب الطفولي في الحزن المستمر، فقدان الشغف بالأنشطة التي كانوا يحبونها، إضافةً إلى تغيرات في الشهية والنوم. وفي بعض الحالات، يظهر الاكتئاب الطفولي عند الطفل علي شكل نوبات غضب أو سلوكيات عدوانية.
أسباب الأمراض النفسية عند الأطفال
في عالم يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، لم يعد الأطفال في مأمن من أي ضغوط نفسية، فمن خلال تعرضهم لتغيرات عائلية، وفي المدرسة، أو حتي التكنولوجيا، قد يجد الطفل نفسه محاصرًا بمشاعر يصعب عليه فهمها والتعامل معها.
لكن، ما هي الأسباب التي قد تؤدي إلى مشاكل الاطفال النفسية والأمراض الناتجة عنها؟
البيئة العائلية المضطربة
الإستقرار الأسري هو حجر الأساس لأي شخص وتكوين شخصيته في بداية حياته. وبالتالي أي خلل يتعرض له الطفل في سنوات حياته الأولى وفي فترات تكوين شخصيته ينعكس مباشرة على مشاعره وسلوكه. فيبدأ في الشعور بعدم الأمان يؤدي إلى القلق أو الاكتئاب.
الإجهاد الدراسي والمثالية المفرطة
دون التعمد، يجد الطفل نفسه محاصرًا من قبل أهله أو من حوله بتوقعات مرتفعة. وبالتالي، الضغط الشديد على الطفل للحصول على درجات عالية أو التفوق في الأنشطة المختلفة قد يخلق لديه خوفًا من الفشل، ما يؤدي إلى القلق والتوتر الدائمين.
التنمر والضغط الاجتماعي
المدرسة أو النادي وغيرهم من الأماكن التي ينشأ فيها الطفل بعيدًا عن المنزل ليست مجرد مكان للتعليم أو الترفيه فقط، بل هي أماكن اجتماعية مليئة بالتحديات مثل التعرض للتنمر سواء جسديًا أو نفسيًا، وبالتالي يبدأ الطفل بعد تعرضه لمثل هذه الظواهر في فقدان ثقته بنفسه، وأحيانًا ما يتطور الأمر ليصل إلى الانعزال أو حتى الاضطرابات السلوكية عند التعامل مع الغير.
التعرض للصدمات والتجارب السلبية
يمتص الأطفال كل ما يتعرضون له سواءًا أكانت أحداث إيجابية أو سلبية كالأسفنج. لذا فإن التعرض لأحداث مؤلمة مثل فقدان أحد الوالدين، الحوادث، العنف الأسري، قد يترك أثرًا نفسيًا عميقًا يتجلى في صورة اضطرابات مثل القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة كما ذكرنا أعلاه.
العوامل الوراثية والكيمياء الدماغية
قد يتساءل البعض “هل الأمراض النفسية وراثية؟”
نعم! بعض الأمراض النفسية قد يكون لها جذور وراثية، حيث تلعب الجينات دورًا في زيادة قابلية الطفل للإصابة باضطرابات وأمراض نفسية بالاكتئاب، القلق، أو اضطرابات المزاج.
بعض إدراك وفهم مختلف الأمراض النفسية التي يتعرض لها الطفل، نستعرض لك الآن مختلف الأعراض التي يمكنك ملاحظتها على طفلك للتأكد ما إذا كان يمر بمشاكل نفسية أم لا.
أعراض المشكلات النفسية عند الأطفال
خلف الابتسامات واللعب الذي نراه في عالم الطفولة والبراءة الكثير من المشاعر المكبوتة والغير مرئية التي يشعر بها أطفالنا دون معرفة كيفية التعبير عنها أو التعامل معها.
من واجبنا كأسرة للطفل الإهتمام بأصغر التفاصيل وإدراك مختلف الأعراض التي فور ملاحظتنا لها نبدأ في اتخاذ قرارات صحيحة تتعلق برحلة العلاج والتدخل الإيجابي قبل تفاقمها.
- قد تلاحظ على طفلك تغيرات سلوكية مفاجئة، فتجد طفلك الهادئ أصبح عدوانيًا أو سريع الغضب، أو طفلك الإجتماعي أصبح يميل للعزلة. فإن كان هذا التغير مفاجئ وغير مبرر بالنسبة لك قد يكون مؤشرًا على تعرض طفلك لإحدى مشاكل الاطفال النفسية.
- يشتكي من آلام جسدية دون سبب طبي واضح؟ أو لاحظت على طفلك انخفاضًا مفاجئًا في تحصيله الدراسي؟ قد تكون هذه علامات على قلق اجتماعي، توتر، أو حتى تعرضه للتنمر.
- الألم البطني والصداع المتكرر دون سبب طبي واضح، أو ظهور أعراض جسدية غير مبررة جميعها تعبيرات جسدية عن تعرض الطفل للقلق والتوتر. فتجد الطفل عاجز عن التعبير عن مشاعره بالكلمات وبالتالي، يبدأ الجسم في إرسال إشارات استغاثة.
- اضطرابات الأكل والتغير المفاجئ في الشهية، سواء بزيادتها أو فقدانها ما هي إلا علامات على مشكلة نفسية مثل القلق أو الاكتئاب. يلجأ بعض الأطفال إلى الأكل بشراهة تنفيسًا عن التوتر الذي يشعر به، وبعضهم يفقد الشهية تمامًا.
- في حالة أن وجدت طفلك يعاني من إضطرابات في النوم مثل الكوابيس المتكررة، أو إستيقاظه بشكل متكرر وهو مذعور، قد يكون ذلك ناتجًا عن قلق أو ضغوط نفسية غير ظاهرة. النوم مرآة لصحة الطفل النفسية، وأي خلل فيه يجب التعامل معه بحذر.
كيفية تشخيص مشاكل الأطفال النفسية
قد يصعب علينا التفرقة بين ما إذا كانت بعض التصرفات الصادرة من أطفالنا مجرد جزء من النمو الطبيعي أم إشارة إلى مشكلة نفسية تحتاج إلى اهتمام خاص.
فكيف يمكننا كآباء وأمهات التمييز بين السلوك العادي والمشكلة النفسية؟ وكيف يمكننا تشخيص هذه المشكلات بطريقة علمية وصحيحة؟
- لكل طفل شخصية فريدة وسلوكيات تميزه عن غيره، وبالتالي علينا فهم طبيعة الطفل وسلوكياته، وبالتالي عند صدور أية تصرفات غير عادية فنبدأ في معرفة ما إذا كانت إشارات لوجود اضطرابات نفسية محتملة.
- أفضل طريقة لفهم ما يدور في ذهن الطفل هي المراقبة المستمرة لسلوكياته والتحدث معه بلطف واهتمام. يمكنك الإهتمام الدائم بطرح أسئلة تتيح الفرصة للطفل للتعبير عن مشاعره دون خوف من العقاب أو الرفض، مثل “كيف تشعر اليوم؟” أو “هل هناك شيء يزعجك في المدرسة أو في البيت؟” وغيرها.
- استشارة مختص نفسي عند الحاجة، وخاصةً في حال أن وجدت استمرارية الأعراض لفترة طويلة وتأثيرها على حياة طفلك اليومية. فمن الأفضل اللجوء إلى أخصائي نفسي للأطفال، يقوم بإجراء اختبارات سلوكية ومقابلات مع الطفل والوالدين لتحديد المشكلة بدقة ووضع خطة علاج مناسبة لها.
- بعد التشخيص، يأتي دور الأهل في توفير بيئة داعمة تساعد الطفل على التغلب على مشكلته. حاول تقديم حب واهتمام غير مشروط للطفل واهتم بإظهار ذلك له دون ضغط، عزز الثقة بالنفس لدى طفلك، وشجعه علي القيام بأنشطة تساعده على التعبير عن مشاعره، مثل الرسم أو الرياضة.
تشخيص مشاكل الاطفال النفسية ليست بالأمر السهل، لكن من خلال المراقبة الدقيقة، والتواصل المستمر، والاستعانة بالخبراء عند الحاجة هي المفتاح الأول لمساعدة طفلك على تجاوز أي تحديات نفسية يواجهها.
طرق علاج أمراض الأطفال النفسية
علاج مشاكل الاطفال النفسية وأمراضها يحتاج إلى تكامل بين الدعم الأسري، والعلاج النفسي، والأنشطة الصحية. فالصحة النفسية للأطفال حجر الأساس لنموهم السليم وتشكيل شخصياتهم المستقبلية. معاناة الطفل من أمراض نفسية لا تقتصر فقط على شعوره بالحزن أو القلق، بل قد يؤثر على أدائه الدراسي، وعلاقاته الاجتماعية، وحتى صحته الجسدية.
معرفتنا بطرق العلاج المناسبة هي الخطوة الأولى في مساعدته على تجاوز هذه المشكلات واستعادة توازنه النفسي.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
وهو من أكثر الطرق فعالية لعلاج الاضطرابات النفسية لدى الأطفال، مثل القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك. يعتمد طريقة العلاج هذه على:
- تعليم الطفل كيفية التعرف على أفكاره السلبية وتغييرها.
- تشجيع الطفل على التفكير بإيجابية واتخاذ قرارات سليمة.
- مساعدته على تطوير استراتيجيات التعامل الصحيح مع المواقف الصعبة.
الدعم الأسري ودور الأهل
الأسرة هي الملجأ الأول والأهم للطفل، وبالتالي أهم أساليب العلاج تبدأ منا:
- استمع إلى طفلك دون إصدار أحكام.
- اظهر الحب والدعم المستمر له للشعور بالأمان.
- شجعه على الالتزام بالعادات الصحية، مثل النوم المنتظم والتغذية السليمة والأنشطة البدنية
العلاج الجماعي
يعتمد هذا النوع من العلاج على تنمية المهارات الاجتماعية خاصة للأطفال الذين يعانون من صعوبات في التفاعل مع الآخرين، مما يؤثر على ثقتهم بأنفسهم. يبدأ الطفل في التفاعل مع أطفال آخرين يواجهون مشكلات مشابهة، مما يساعده على:
- تعلم مهارات التواصل بشكل أكثر أريحية وفاعلية
- .تحسين قدرته على تكوين الصداقات.
- الشعور بأنه ليس وحده في معاناته.
العلاج الدوائي (عند الحاجة فقط)
بعض مشاكل الاطفال النفسية مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) أو الاكتئاب الحاد، يحتاج إلي العلاج عبر الدواء ولكن يلزم الحرص أن يكون تحت إشراف طبيب مختص، مع دمجها مع العلاج النفسي لتحقيق أفضل النتائج.
التشجيع على ممارسة الأنشطة المفيدة
الاهتمام بممارسة الأنشطة اليومية ذات دور كبير في تحسين الحالة الطفل النفسية، مثل:
- القراءة والكتابة، لتفريغ المشاعر والتعبير عن الذات.
- ممارسة التأمل وتمارين الاسترخاء، لتخفيف القلق وتحسين التركيز.
- الرياضة، التي تفرز هرمونات السعادة وتقلل التوتر.
في الختام، تذكر أن كل طفل يحتاج إلى رعاية خاصة، وفهم عميق لمشاعره، وبيئة آمنة تسانده في رحلته نحو الشفاء. والإكتشاف المبكر والدعم العاطفي هما المفتاح الأول لعلاج أي مشكلة نفسية قد تواجه طفلك.
اقرأ المزيد عن
أفضل نصائح للامهات في تربية الاطفال
أفضل أساليب تربية الطفل لبناء شخصية قوية ومستقلة
أفضل أساليب تربية الأطفال (الدليل الشامل)
دليلك الشامل ل تعليم تربية الاطفال بحب وفهم
فن التعامل مع الأطفال (دليل شامل لتربية ناجحة وسعيدة)