التوحد هو اضطراب عصبي يؤثر على قدرة الطفل وتفاعله مع الآخرين ومدى تطور مهاراته الاجتماعية واللغوية. ومن خلال التدخل المبكر، يمكننا تحسين حياة الطفل بشكل جذري. في هذا المقال، نوضح لك كل ما تحتاج الوعي به عن مرض طيف التوحد، و اعراض التوحد عند الاطفال. مع عرض شامل لأهمية التشخيص المبكر له، و دور الأهل في دعم الطفل وما يمكن للتعاون مع المختصين والتوعية المستمرة أن يغير من حياة الطفل المصاب بالتوحد.
ما هو مرض التوحد عند الأطفال؟
لفهم أعمق ورؤية أكثر وضوحًا لمرض التوحد أو ما يُعرف بمرض طيف التوحد عن الاطفال ( Autistic Spectrum Disorders)، فيمكننا القول أنه عبارة عن حالة تتعلق بنمو دماغ الطفل وتؤثر بشكل كبير على مدى تمييزه للأشخاص من حوله ومدى قدرته على التعامل معهم والتواصل والتفاعل على المستوى الإجتماعي.
ويُصنف هذا الإضطراب ضمن ” الطيف ” كونه إلى مجموعة كبيرة من الأعراض ومستويات الشدة، وقد تتراوح اعراض التوحد عند الاطفال بين أعراض خفيفة وأخرى شديدة. وبالرغم من ظهور الأعراض عادةً في السنوات الأولى من الحياة، إلا أن الكثير من الأطفال يتم تشخيصهم في وقت لاحق، خاصةً عند ملاحظة تأخر في المهارات الاجتماعية أو اللغوية لديهم.
حتى الآن، لم يتم التوصل لأسباب دقيقة لظهور علامات التوحد عند الاطفال، ولكن يُعتقد بشكل كبير أن مجموعة العوامل الوراثية والبيئية قد تلعب دورًا في تطور هذا الاضطراب. كونها تساهم في تأخر التواصل أو السلوكيات غير الاعتيادية وذلك بسبب بعض التغيرات التي تحدث في الدماغ أو مشاكل في النمو العصبي للطفل.
الفرق بين التوحد وطيف التوحد
عند سماعنا لمصطلحي “التوحد” و “طيف التوحد” من المؤكد أننا نظن بأنهما يعنيان الشيء ذاته.
في حقيقة الأمر، هناك فروقات دقيقة بين المصطلحين، وإدراك هذه الفروقات يساعد بشكل كبير عند تقديم الدعم المناسب للأطفال المصابين به.
التوحد
هو اضطراب عصبي محدد يؤثر على طريقة تفاعل الطفل مع من حوله، وعادةً ما يظهر خلال السنوات الأولى من الطفولة، ويُعرف بصعوبات في التواصل، والسلوكيات المتكررة، واهتمامات محدودة. بينما قد يكون لديهم قدرات استثنائية في مجالات مثل الحساب أو الفن أو الموسيقى.
طيف التوحد
هو مفهوم أكثر اتساعًا حيث يشمل ويخص الحالات التي تتفاوت في شدتها وأعراضها. ففي حين أن بعض الأطفال يعانون من أعراض خفيفة بالكاد تؤثر على نشاطاتهم اليومية، هناك أطفال آخرون يواجهون أعراض تتطلب دعم أكبر وبشكل مكثف أكثر.
بالمختصر، يمكننا القول أن التوحد ما هو إلا جزء من طيف التوحد، لكنه ليس بالشكل الوحيد له. حيث يشمل طيف التوحد درجات مختلفة من الاضطراب مع نقاط قوة وضعف ذات تحديات مختلفة للمصاب به.
أهمية التعرف على أعراض التوحد مبكرًا
من أهم خطواتنا الحاسمة لتحسين حياة أطفالنا وتقديم الدعم الذي يحتاجونه، هو التشخيص المبكر لاضطراب طيف التوحد. فمن خلال فهم أعراض توحد الأطفال واكتشافها في مرحلة مبكرة، يتيح لنا ويعزز من فرص النجاح في مواجهة التحديات التي يواجهها الطفل. فهي ليست مجرد خطوة طبية، بل هو مفتاح لفتح أبواب الفرص أمام الطفل وكامل العائلة.
فمن خلال التشخيص المبكر واكتشاف اعراض التوحد عند الاطفال، يمكن البدء في التدخلات السلوكية والتعليمية والنفسية التي تعمل بشكل كبير وإيجابي في تحسين مهارات الطفل الاجتماعية وطرق التواصل مع الآخرين، كونه ذو تأثير كبير في تحسين اللغة والسلوكيات.
بالإضافة لذلك، يمكن مساعدة الطفل بشكل كبير في النطق والتعبير عن احتياجاته بشكل واضح، مما يقلل من المشكلات الناتجة عن صعوبة التواصل، وقدرته على تكوين علاقات صحية وسليمة وفهم مشاعر الآخرين.
يعمل التشخيص المبكر للأطفال على تعزيز و تقدير الذات والثقة بالنفس لديهم. فمن خلال العلاج والسلوكيات المناسبة التي يخضع لها الطفل، يبدأ فى تحقيق استقلالية أكبر في المستقبل، وتعلم المهارات التي تجعله يشعر بالإنجاز، مما يساهم في تحسين تقديره لذاته وثقته في قدراته.
يُعد مرض طيف التوحد أحد الأعباء التي يتعرض لها الطفل، والوالدين، والمجتمع. لذلك فمن خلال اكتشافنا اعراض التوحد عند الاطفال بشكل مبكر يمكن أن يقلل من العبء الذي قد يتحمله الطفل أو الأسرة في وقت لاحق من الحياة. وضمان تكيف الطفل مع والاندماج مع البيئة المحيطة به سواءًا كانت المدرسة أو في محيطه الاجتماعي.
ما هي أعراض التوحد عند الأطفال؟
كوننا نسعى لهدف واحد وهو حماية أطفالنا مما قد يسبب لهم تحديات وأعباء في حياتهم، فإن فهم ودراسة أعراض مرض التوحد عند الأطفال هي خطوتك الأولى لبدء التعافي منه.
يتسم طيف التوحد عند الأطفال بمجموعة من الأعراض التي تؤثر على التواصل، والتفاعل الاجتماعي، والسلوكيات. بالإضافة إلي أنها تختلف من طفل لآخر في شدة وطبيعة تأثيرها عليه.
صعوبات في التواصل الاجتماعي
يبدأ في هذا النوع أن يواجه الطفل صعوبة في التواصل اللفظي وغير اللفظي أي في التعبير عن نفسه بالكلمات أو استخدام الإشارات.
وبالتالي يبدأ حدوث قلة في الإهتمام بعلاقاته الاجتماعية مع الآخرين ولا يسعى للتفاعل بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا البعض، مثل عدم رغبته في اللعب أو المشاركة في الأنشطة الجماعية.
من التحديات التي قد تواجه الأطفال المصابين بالتوحد وتؤثر على تواصلهم بالآخرين هو التعرض للتنمر من قبل الآخرين. فالتنمر يمكن أن يؤثر بشكل كبير على نفسية الطفل وثقته بنفسه، مما يزيد من التحديات التي يواجهها. لذا، من المهم أن يكون الأهل والمعلمون على دراية بكيفية حماية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه. لمزيد من المعلومات، يمكنك قراءة مقالنا حول ما هو التنمر عند الاطفال.
قد يواجه الطفل أيضًا صعوبات في القدرة على تفسير تعبيرات الوجه أو نغمة الصوت من حوله، مما يجعل من الصعب عليه فهم مشاعر الآخرين أو الاستجابة لها بشكل مناسب.
السلوكيات المتكررة والاهتمامات المحدودة
أحد اعراض التوحد عند الاطفال هي حركاته المتكررة، مثل التلويح باليدين، الدوران، أو الهز المستمر.
بجانب تعلقه بشكل شديد ومفرط بأشياء محدودة ومعينة أو تركيزه على جزء من لعبة بدلًا من استخدامها ككل.
غالبًا ما ستجد لدي الطفل روتين صارم وقد يشعر بالضيق في حالة أن تم تغيير الجدول الزمني أو البيئة الخاصة به.
حساسية مفرطة أو أقل من المعتاد للمؤثرات
قد يظهر الطفل حساسية شديدة للأصوات العالية أو الأضواء الساطعة من حوله، بجانب قد تلاحظ أن استجابته للأصوات أو اللمس عادةً ما تكون غير عادية.
يُفضل الطفل المُصب بالتوحد الحركات اللطيفة أو الضوء الساطع، مع شعوره بالراحة أثناء الانعزال الحسي.
صعوبة في المهارات الحركية
من أبرز اعراض التوحد عند الاطفال وجود تأخر وصعوبة في القيام بالأنشطة التي تتطلب التنسيق الحركي.
علي سبيل المثال: ربط الأحذية أو الكتابة.
عدم استخدام الخيال
قد تجد الأطفال المصابون بالتوحد غالبًا ما يفتقرون إلى القدرة على استخدام الخيال أثناء اللعب.
مثل القيام بألعاب تتطلب التفاعل الاجتماعي أو تمثيل أدوار.
بالمختصر، فإن أعراض وعلامات التوحد عند الأطفال تتفاوت بشكل كبير من طفل لآخر. فقد تجد بعض الأطفال يُظهرون أعراضًا خفيفة أو قد ينجحون في التواصل الاجتماعي بشكل كبير، بينما قد يواجه آخرون صعوبة شديدة في التفاعل مع العالم من حولهم.
لذلك، يعتمد الأمر على التشخيص الصحيح مختص في الصحة العقلية وتطور الطفل لضمان تلقي الدعم المناسب في الوقت المناسب.
طريقة لعب الطفل التوحدي
عالم الطفل المتوحد الذي يخلقه لذاته ملئ بالأسرار والإكتشافات والقوانين الخاصة به. علي سبيل المثال، تأخذ الالعاب بعدًا مختلفًا تمامًا عن الطريقة التقليدية التي يتفاعل بها الأطفال الآخرون مع اللعب؛ فلا تعتبر مجرد وسيلة للتسلية واللعب فقط وسيلة للتعبير عن مشاعرهم، و يستكشفون عالمهم بطريقتهم الفريدة، ويطورون مهاراتهم وفقًا لإيقاعهم الخاص بهم.
التفاعل مع الألعاب الحسية
عادةً ما ينجذب الطفل التوحدي للألعاب التي توفر تجربة حسية مميزة، مثل الرمل والمياه أو الأضواء المتحركة، كونها توفر لهم تحفيزًا حسيًا يساعدهم على تنظيم استجاباتهم العاطفية والجسدية.
اللعب التكراري والمنظم
دائمًا ما ستجد الطفل التوحدي يعيد نفس الحركة مرارًا وتكرارًا مثل قيامه بترتيب المكعبات بنفس الترتيب مرارًا. وتعتبر هذه هي طريقته في الشعور بالأمان والاستمتاع بالنمطية التي تمنحه الراحة.
اللعب الفردي أكثر من الجماعي
عادةً ما تجد الأطفال يحبون اللعب مع أصدقائه أو في جماعات لعدم الشعور بالملل. علي النقيض، يفضل الطفل التوحدي اللعب بمفرده، هذا لا يعني أنه غير اجتماعي، بل يجد في اللعب الفردي راحته، حيث لا يضطر لمواجهة تعقيدات التواصل الاجتماعي غير المفهومة بالنسبة له.
استخدام الألعاب بطرق غير تقليدية
إذا رأيت طفلًا توحديًا يستخدم سيارة اللعب كأداة للتدوير بدلًا من دفعها، أو ترتيب الألعاب حسب اللون أو الحجم بدلاً من استخدامها في اللعب التخيلي لا تتفاجأ! فبالنسبة له، العالم مليء بالتفاصيل المثيرة التي يراها بطريقة مختلفة تمامًا.
الخيال بطريقة خاصة
يخلق الطفل التوحدي عوالمه الخاصة بطرق غير متوقعة، كالحديث مع شخصيات غير مرئية أو التفاعل مع أشياء غير حية وكأنها حقيقية.
فهم طريقة لعب الطفل التوحدي يمنحنا مفتاحًا للدخول إلى عالمه، وبدلاً من محاولة تغييره، يمكننا الاحتفاء بتميزه ومساعدته على تطوير مهاراته بطريقته الفريدة. فكل طفل لديه طريقته الخاصة في رؤية العالم، وعلينا أن نراها بعيونه لنفهمها
كيف يمكن التغلب علي مرض التوحد للأطفال؟
كون أن مرض التوحد هو مرض اضطراب عصبي، فلا يمكن التغلب عليه بشكل تقليدي وحرفي، ولكن يمكن تحسين حياة الأطفال المصابين به بشكل كبير من خلال التدخلات المبكرة والدعم المستمر لهم. فلا يعتمد الأمر على طريقة محددة، وإنما يتم عبر مجموعة من الطرق والأساليب لتساعده في التكيف مع البيئة المحيطة به وتطوير مهاراته الشخصية والاجتماعية.
التدخل المبكر
كونه أحد أهم العوامل التي تساعد في تحسين حياة الطفل، وأصبح له فرصة كبيرة في التطور بشكل أفضل.
فيتم العمل بشكل كبير على العلاج السلوكي، وعلاج النطق واللغة، والعلاج الحسي والوظيفي.
البرامج التعليمية الخاصة
يحتاج العديد من الأطفال المصابين بالتوحد لبرامج تعليمية مخصصة تناسب احتياجاتهم.
علي سبيل المثال، يحتاجون إلي فصول صغيرة ذات نسبة منخفضة من الطلاب مما يسمح بتوفير الدعم الفردي لهم بشكل مكثف أكثر.
تكييف المناهج الدراسية لتتناسب مع مستوى الفهم والقدرة لدى الطفل.
العمل على التركيز على المهارات الاجتماعية من خلال تمارين تفاعلية أو الألعاب.
التدريب والتمكين والدعم النفسي
من المهم على الأصدقاء والأسرة وكل من هم حول الطفل بشكل مستمر التدرب وتعلم كيفية التعامل مع الطفل المصاب بالتوحد بشكل فعّال.
تعليم الوالدين أساليب التربية الفعالة وكيفية التعامل مع سلوكيات الطفل و اعراض التوحد عند الاطفال بشكل مناسب.
تكيف الأسرة مع التحديات العاطفية والنفسية التي قد تواجهها.
دور الأهل في مساعدة أطفالهم المصابون بالتوحد
للأهل دور أساسي في دعم طفلهم المصاب بالتوحد. فالأمر لا يعتمد فقط علي التدخلات الطبية أو العلاجية، وإنما يعتمد أيضًا على ضمان خلق بيئة أسرية مريحة ومحفزة تشجع على التطور والنمو.
فمن أهم الأساليب التي على الأهل اتباعها:
تقديم روتين ثابت وبيئة منظمة ومستقرة لهم، مما يساعد بشكل كبير في تقليل القلق وتعزيز شعوره بالأمان. ويُفضل أيضًا أن يتضمن الروتين أوقاتًا محددة للنوم، الطعام، والأنشطة اليومية وغيرها.
على الأهل القيام بتدريب الطفل كيفية التفاعل مع الآخرين، بما في ذلك كيفية التحدث مع الآخرين وفهم مشاعرهم، كيف يعبر عن مشاعره، وما إلي ذلك. ويتم هذا الأمر من خلال ممارسة الأدوار أو الأنشطة التفاعلية في بيئة محايدة، واعتماد أفكار لعمل نشاط للأطفال.
من المهم أن يتعاون الأهل مع الأطباء والمختصين في مجالات العلاج النفسي، السلوكي، اللغوي، وذلك لضمان توفير العلاج المتكامل المختص في اعراض التوحد عند الاطفال.
الاهتمام بالصحة العامة والتغذية من أبرز الأدوار والمهام التي يجب على الاهل الإهتمام بها، فالتغذية السليمة والراحة الجيدة هي ضرورة واجبة لنجاح العلاج.
في النهاية، مرض طيف التوحد ليس بالعائق الذي نتخيله أمام النجاح أو السعادة، بل هو تحدٍّ يمكن التغلب عليه من خلال فهم المجتمع والاهتمام الفردي. مما يضمن للطفل حياة مليئة بالفرص والتحديات التي يمكن التغلب عليها.